تحول علم الكلام الشيعي والقراءات المختلفة لمفهوم الولاية

حجة الإسلام والمسلمين محمد تقي سبحاني مدير مؤسسة البيان للتواصل والتأصيل شارك في البرنامج التلفزيوني “سورة”وكان الموضوع المطروح هو «تحول علم الكلام الشيعي والقراءات المختلفة لمفهوم الولاية». أفاد تقرير موقع رهبویان قم الاخباری نقلا عن وكالة الحوزة – أنّ حجة الإسلام والمسلمين محمد تقي سبحاني مدير مؤسسة البيان للتواصل والتأصيل شارك في البرنامج التلفزيوني “سورة” […]

حجة الإسلام والمسلمين محمد تقي سبحاني مدير مؤسسة البيان للتواصل والتأصيل شارك في البرنامج التلفزيوني “سورة”وكان الموضوع المطروح هو «تحول علم الكلام الشيعي والقراءات المختلفة لمفهوم الولاية».

أفاد تقرير موقع رهبویان قم الاخباری نقلا عن وكالة الحوزة – أنّ حجة الإسلام والمسلمين محمد تقي سبحاني مدير مؤسسة البيان للتواصل والتأصيل شارك في البرنامج التلفزيوني “سورة” وكان الموضوع المطروح هو «تحول علم الكلام الشيعي والقراءات المختلفة لمفهوم الولاية».
في هذا اللقاء قال الشيخ سبحاني: في البداية يجب علينا أن نعرف الظروف التاريخية لهذا البحث فمسألة الإمامة عبارة عن مبدأ إنساني٬ بمعنى لا توجد أمة أو مجتمع إلّا ويُطرح فيه موضوع الإمامة. وقد بيّنت الدراسات أنّ للإمامة صدى طيباً في النصوص المقدسة للأديان السماوية التوراة والإنجيل. يقول الإمام علي (عليه السلام) في نهج البلاغة: كل إنسان ومجتمع بحاجة إلى مبدأ الإمامة. وبالنسبة للأمة الإسلامية فإنّه استناداً إلى المعارف القرآنية فقد طُرحت مسألة الإمامة بشكل أوسع وأعمق. إلى جانب مفهوم الإمامة طُرحت الولاية أيضاً كمفهوم قرآني عميق. إذا أدردنا أن نتحرّى الجذور التاريخية والمعرفية لكلمة ولي فإنّ القرآن هو المصدر الأفضل لذلك حيث يبيّن الولاية وأبعادها المختلفة ويشرح نظام تدبير الكون على أساس الولاء والولايات. لقد تمّ بسط البحث في هذا المفهوم القرآني طيلة التاريخ الإسلامي من قبل مختلف المذاهب الإسلامية٬ ولكن باعتراف جميع الباحثين فإنّ هذا المفهوم حظي ببسط معنائي وعمق خاص في الفكر الشيعي والعقيدة الإمامية.
إنّ لفظ الولاية في القرآن متعدد الأبعاد كسائر الألفاظ وأحد أبعادها المهمة هو مفهوم القيمومة وهنا يقترب معناها من معنى الإمامة ويتعمّق أكثر في مفهوم الولاية. مفهوم الولاية عبارة عن حالة من الارتباط بين الله ونظام الكون٬ وأنّ أساس الولاية عبارة عن بعد تكويني وأنطولوجي. فالله تعالى يسوق نظام الكون صوب الأهداف المنشودة ويتجلّى عن نفسه بالولاية. ومن بين خصائص الولاية هي مراتبها فالولاية قائمة على محور الولاية الإلهية لكنّها في المراتب الأدنى تنتقل إلى الأولياء الآخرين. الملاحظة القرآنية المهمة التي توضح مفهوم الولاية هي الولاية في طرفي النور والظلمة.. فالله يتعالى يتحدث في القرآن عن ولاية الطاغوت وقد جاء ذلك إلى جنب الولاية الإلهية. والله يطرح حركة ولائية أخرى تدور حول محور الشيطان وهي الطاغوت وهي ذات مراتب أيضاً وتصل إلى ولاية أولياء الشيطان وأساس هذه هي علم الوجود. طبعاً لها آثار أيضاً في المجالات الاجتماعية والأخلاقية ..إلخ.
وضمن أدبيات أخرى تجد مسألة الولاية تفسيراً آخر أحياناً يختلف عن التفسير في السنن الشيعية وأحياناً يتكامل٬ لقد تحول مبحث الإمامة وبسرعة إلى أدبيات ثقافية وعلمية٬ واتّخذ لنفسه إطاراً علمياً. فالشيعة في موضوع الخلافة يستعملون مصطلح الإمامة والذي يحمل تفاوتاً ذا معنى٬ فالمقصود بالخلافة من وجهة نظر أهل السنة هي خلافة رسول الله٬ أما المراد من الإمامة فهو خلافة الله وهو التعبير الذي طرحه العلامة العسكري واستطاع من خلال داسة لغوية تاريخية أن يفكك بين مفهوم الخلافة والإمامة.
وفي تاريخ الفكر فإنّ هذه الموضوعات لم تنبثق من القواعد العلمية٬ ومن الأخطاء الكبرى هو اعتقادهم بأنّ الأفكار منذ البداية كان لها إطار علمي٬ لكنّ الأمر ليس كذلك فجميع المذاهب والعلوم كانت في البداية عبارة عن مجموعة من الأفكار ثم تحولت تدريجياً إلى نظريات وعلم الكلام الإسلامي أيضاً على هذا المنوال. فكل فرقة تحمل بعض الأفكار ثم تنزل هذه الأفكار إلى أرض الواقع ثم تتحول الأجيال اللاحقة من الأفكار إلى علوم وهذه خصوصية علم الكلام أيضاً بمعنى أنّ هذا العلم أنتج من الأفكار والآراء مجموعة من النظريات التي يستطيع من خلالها أن تكون له مواجهة منهجية.
رؤيتان في حادثة السقيفة
ظهرت في حادثة السقيفة رؤيتان عند الصحابة٬ ففريق كان يرى أنّ النبي (ص) هو قائد إسلامي وليس له أي دور في امتداد النبوة وعلى الأمة بعده أن تختار القائد السياسي وعليه فالنقاش يدور حول من هو هذا القائد السياسي. وهناك فريق ثانٍ التزم بأوامر النبي (ص) وآيات القرآن وطرح قضية قيادة الأمة على امتداد النبوة٬ ويقول هذا الفريق أنّ قيادة المجتمع ما بعد النبي (ص) لا تقتصر على الدور السياسي وأنّ النبي (ص) بحاجة إلى امتداد تشريعي وأنّ الدين الإلهي أيضاً بحاجة إلى تفسير. هذه القراءة كانت موجودة حتى في عصر النبي الأكرم (ص). لقد ظلّت دعوة النبي الأكرم (ص) سرية لمدة ثلاث سنوات وفي السنة الثالثة تمّ الإعلان عنها٬ ومنذ بداية الدعوة النبوية ظهرت مسألة الإمامة والولاية٬ في ذلك الوقت كان موضوع الشرك والإيمان والصراع بين الحق والباطل مطروحاً.
إلى جانب البعثة كان النبي (ص) قد مهّد لموضوع الإمامة حيث قام بطرح ولاية الإمام علي (ع) فالذين يريدون الإيمان برسالة النبي (ص) وأن يحتفظوا بزعامة قبيلتهم كان سؤالهم عند مقابلة النبي (ص) من هو قائد المجتمع بعد النبي (ص)؟ وعليه فإنّ هذه القصة كانت مطروحة منذ عصر النبي الأكرم (ص) الذي كان يجيب عن هذه الأسئلة بأنّ هذا الأمر هو بيد الله تعالى٬ وقد اتّخذ على مدى عمره الشريف في مكة وحتى انتقاله إلى الرفيق الأعلى مختلف تدابير ليبيّن بأنّ الإمامة والولاية هي امتداد لنبوته.
يقول البعض إذا كانت وقعة الغدير هي التعريف بخليفة النبي (ص) فإنّ هذا التعريف كان قد تمّ قبل ذلك ولكن في يوم الغدير تمّ التعريف بالإمامة من جميع الوجوه والأبعاد٬ بعبارة أخرى٬ إنّ موضوعها الرئيسي هو الولاية والتي تنطوي على أبعاد تكوينية وتشريعية واجتماعية٬ وقد تمّ التعريف بجميع هذه الأبعاد في يوم الغدير٬ ليس التعريف فقط٬ بل تمّ أخذ الميثاق من الأمة لهذه الولاية ليتمّ تثبيتها والأهم من ذلك أنّه بعد هذا الإبلاغ قال الرسول الأكرم (ص) لقد أُمرت أن آخذ مثياقكم فرداً فرداً لولاية أمير المؤمنين (عليه السلام). لقد استمرّت هذه القصة حتى قبيل وفاة النبي (ص) حينما طلب قلماً ودواة ليكتب لهم ما أن تمسّكوا به لن يضلّوا بعده أبداً لكنّهم حالوا بينه وبين ما أراد. وقد بيّن (ص) بأنّ الولاية والإمامة إلى جانب القرآن ركنان أساسيان٬ وعليه فإنّ الذين يصوّرون يوم الغدير على أنّه ساحة للصراع السياسي ومن ثمّ يحيلون مباحث الإمامة والولاية إلى المرحلة التي تلتها فإنّهم يتجاهلون هذه الوقائع من الناحية التاريخية. كما أنّنا عندما نقول بوجوب تبنّي قراءة موحدة لهذا الموضوع علينا أن نسأل أنفسنا ما عسى أن تكون طبيعة هذه القراءة؟ وقراءة أيّ فريق هي المهمة؟ وعليه عندما نسأل هل للجميع قراءة موحدة إزاء هذا الموضوع فإنّ هذا السؤال يفتقر للدقة٬ وإنّما يجب القول في أي بيئة وحاضنة تبلورت هذه القراءات؟ البعض يقول بأنّه لا توجد في هذه الساحة أيّ قراءة عقدية ومعرفية للإمامة٬ ذلك أنّ الجميع يبحث في موضوع الخلافة٬ وإنّهم يتفقون مع أهل السنّة في بحث موضوع الخلافة. إنّ رؤية القرآن والنبي (ص) إزاء الإمام علي (عليه السلام) هي رؤية دينية وأنّ الوقائع التي جرت بعد اجتماع السقيفة قد سجّلها التاريخ لأنصار الإمام علي (عليه السلام) هي رؤية أيديولوجية حيث إنّهم يرون أنّ إمامته (عليه السلام) هي امتداد للولاية ويستندون في الوصاية إلى الوصية بالإمام علي (عليه السلام) والشواهد التي يطرحونها هي شواهد قرآنية.
للذين يعتقدون بأنّ النظرة إلى موضوع الإمامة تبلورت فيما بعد٬ وأنّها في البداية لم تكن على هذه الصورة أضرب مثالاً: بعد ثورة عاشوراء حدثت ثورة المختار والتي تعرف بالثورة الكيسانية٬ وتنقل الوثائق التاريخية بأنّها كانت تنطوي على جميع مقومات الإمامة الشيعية للإمامية. طبعاً مسألة الوصاية أيضاً كانت مطروحة وكان محمد بن الحنفية يحتل هذه المكانة. في حادثة ثورة المختار الثقفي نجد مقومات العلم الإلهي … وغير ذلك٬ وكان شيعة الكوفة المناصرون للمختار يعتقدون بأنّ المختار هو مبعوث الوصي٬ وعليه فإنّ هذه الحادثة تنطوي أيضاً على عقيدة الإمامة وعندما زعم المختار أنّه ممثل مهدي هذا العصر٬ تبعته على هذا النهج جماعة كوفية.
نحن نقول بأنّه بعد حادثة السقيفة تبلورت جميع مقومات الإمامة الشيعية في الثقافة الشيعية من قبيل الاعتقاد بالعصمة وعلم الإمام الخاص وارتباط الإمام بالتنصيب الإلهي. وهذا على العكس من قراءة الفريق المخالف الذي يقول بأنّ الموضوع لم يكن كذلك منذ البداية. كما أنّ جميع الذي طرحوا آراءهم في هذه المسألة ليسوا متخصصين في تاريخ الفكر. وهذه النظرية تقول بأنّه لأجل معرفة التشيع الأصيل لا بد من الرجوع إلى أتباعه وبخاصة أتباعه العوام وهذه مغالطة بحد ذاتها. إنّنا عندما نريد أن نتعرّف على المذهب يجب أن نرجع إلى المصادر أو المسؤولين الأصليين أو الشراح الأصليين٬ فجميع المذاهب تنتج قراءات مختلفة في خضم البيئة الاجتماعية٬ وإذا كان علينا أن نقبل بهذا التحليل وجب القول بأنّهم وحدهم الذي آمنوا بالنبي (ص) في مكة هم الأصلاء.