الشيعة في لبنان.. من أبي ذر الغفاري إلى حزب الله

عرف شيعة لبنان شهرة عالمية في أوائل ثمانينيات القرن العشرين مع نشأة حزب الله وعملياته العسكرية ضد الاحتلال الإسرائيلي للبنان، وقد ارتبط مصيرهم بحزب الله وحركة أمل وبالعلاقة مع سوريا والجمهورية الإسلامية في إيران منذ ذلك الحين. موقع رهبویان قم الاخباری / دولی :يشكّل الشيعة في لبنان نحو ثلث السكان ويسكنون في الجنوب والبقاع والعاصمة […]

عرف شيعة لبنان شهرة عالمية في أوائل ثمانينيات القرن العشرين مع نشأة حزب الله وعملياته العسكرية ضد الاحتلال الإسرائيلي للبنان، وقد ارتبط مصيرهم بحزب الله وحركة أمل وبالعلاقة مع سوريا والجمهورية الإسلامية في إيران منذ ذلك الحين.
موقع رهبویان قم الاخباری / دولی :يشكّل الشيعة في لبنان نحو ثلث السكان ويسكنون في الجنوب والبقاع والعاصمة بيروت وضاحيتها الجنوبية وبعض قرى جبيل وكسروان وشمال لبنان.
لا يتفق المؤرخون والباحثون على تاريخ دخول التشيّع إلى لبنان، لكن الشائع بينهم أن التشيّع دخل هذه البلاد التي كانت جزءاً من الخلافة الإسلامية منذ القرن الأول هجري (السابع ميلادي) أي بدايات انتشار الإسلام في بلاد الشام، وخصوصاً بعد وفاة النبي محمد.
يقول بعض المؤرخين إن الشيعة في لبنان هم من سكان البلاد الأصليين الذين أسلموا على مذهب أهل بيت النبي. ويعزى دخول التشيّع إلى الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري الذي كان من أشد المعارضين لحكم الخليفة الثالث عثمان بن عفان ومحاباته لعشيرته، بني أمية، إذ نفاه عثمان من المدينة المنوّرة إلى دمشق. ومن هناك انتقل أبو ذر إلى جبل عامل، وهي منطقة كانت تشمل جنوب لبنان وبعض البقاع الغربي بحسب التقسيمات الإدارية اليوم، حيث توفي هناك وأقيم له مشهدان في جنوب لبنان.
لكن هناك رأي آخر يرى أن دخول الشيعة إلى لبنان تحقق من خلال هجرة قسم من قبيلة همدان اليمنية الشيعية من الكوفة في العراق إلى بعض مناطق سوريا ولبنان، إثر سيطرة الأمويين على الحكم الإسلامي بعد مقتل الإمام علي بن أبي طالب، حيث كانت قبيلة همدان التي أسلمت على يد الامام علي وأضحت من أخلص أنصاره وهاجرت معه من اليمن إلى الكوفة، وحاربت معه ضد جيشي الخوارج ومعاوية بن أبي سفيان.
وقد أشار المؤرخون المسلمون إلى وجود قوم من اليمن ومن همدان تحديداً في حمص في سوريا وفي منطقتي بعلبك وجبل عامل في لبنان بدءاً من أواخر القرن السابع ميلادي.
كما سكن الشيعة حلب ودمشق والساحل السوري، بل امتد التشيّع إلى أطراف فلسطين والأردن، وكان أهل طبرية ونصف أهالي نابلس والقدس وأكثر عمّان شيعة بحسب أحد المؤرخين.
انتشر التشيع في عهدي الدولتين الأموية والعباسية في جنوب لبنان وفي بلاد جبيل وكسروان. وكانت مدينة جزين وبلدة ميس الجبل في جنوب لبنان من أهم المدن الشيعية. وازداد نفوذ الشيعة في لبنان بوصول الفاطميين إلى الحكم حيث انتشر التشيع في شمال لبنان وأضحت سهول عكار الشمالية (ثقل السنة حالياً) مركزاً كبيراً للتشيّع.
وقد يتفاجأ البعض بأن طرابلس، عاصمة شمال لبنان وأكبر مدينة سنّية فيه، كان يسكنها الشيعة منذ بداية القرن العاشر ميلادي وبقيت حتى القرن الثاني عشر من عواصم التشيع في بلاد الشام. وقد توّج الوجود الشيعي بإمارة بلغت أوجها مع إمارة بني عمار الذين ولّاهم الفاطميون على طرابلس فأسسوا إمارة مستقلة.
يصف الرحالة والشاعر الفارسي ناصر خسرو (۱۰۰۴ – ۱۰۸۸ م) طرابلس في القرن الحادي عشر بأن سكانها شيعة وأنهم شيّدوا مساجد جميلة في كل البلاد.
ويذهب البعض إلى أن خلال حكم الصليبيين للمنطقة كان ۸۵% من سكان لبنان من الشيعة إلى أن تعرضوا لضربة كبيرة على يد صلاح الدين الأيوبي ثم على أيدي المماليك الذين استصدروا فتوى من فقيه دمشقي حنبلي متطرف هو ابن تيمية فأباح قتل الشيعة الذين سمّاهم روافض وخاصة في منطقة جبيل وكسروان فبدأت مجازر عام ۱۳۰۹ واستطاع الجيش المملوكي أن يحتل منطقة جبيل وكسروان، فهرب الشيعة من المنطقة الى البقاع وسكنوا فيها، ومنهم من هرب الى جنوب لبنان وخاصة الى جزين.
ونتيجة اضطهاد الشيعة في جبل لبنان بدأ تحوّل بعضهم تقية إلى الى المسيحية كآل الهاشم وبعضهم الى المذهب السنّي.
وعلى غرار طرابلس، كان الشيعة يسكنون بلاد جبيل وكسروان في جبل لبنان، إلى أن قام المماليك باضطهادهم وتهجيرهم باتجاه بعلبك والهرمل ومناطق لبنانية أخرى.
وبعد اندحار المغول برز آل حرفوش (الحرافشة) في منطقة بعلبك كعائلة شيعية حكمت المنطقة وشيّدوا فيها المساجد وبقيتت إمارتهم لمدة قرنين. وبرزت بلدة كرك نوح قرب بعلبك كمركز علمي شيعي خرج منها المحقق علي بن عبد العالي الكركي العاملي في القرن الخامس عشر، وهو فقيه شهير كان من أوائل القائلين بنظرية ولاية الفقيه ونيابة الفقيه عن الإمام المهدي الغائب. وعندما أقيمت الدولة الصفوية دُعي إلى إيران من قبل الشاه إسماعيل الصفوي وعيّنه في منصب شيخ الإسلام فيها إذ أعطاه الكركي وكالة للحكم نيابة عن الإمام المهدي بصفته كفقيه مجتهد نائباً عن المهدي، وكان له دور كبير في نشر التشيّع في إيران وفي تدريس علمائها المذهب الشيعي الإثني عشري.
وهكذا يبدو ساذجاً اتهام الشيعة وحزب الله في لبنان بالعمالة لإيران والرضوخ السلبي لولاية الفقيه، بينما كان أجدادهم هم من ابتكر هذه النظرية وساهموا في نشر التشيّع في إيران.
ويذكر بعض المؤرخين أن وضع اضطهاد الشيعة ولجوءهم إلى التقية لستر مذهبهم وحفظ حيواتهم استمر إلى أن ظهر الشهيد الأول محمد بن مكي الذي دعا الى وقف التقية والمجاهرة بالتشيّع فعاد أغلبية سكان الجنوب والبقاع وبعض قرى جبيل والشمال إلى المذهب. أما ساحل المتن الجنوبي (الضاحية الجنوبية) قرب بيروت والمناطق المجاورة فلم يرجع الى التشيّع سوى أهالي برج البراجنة والغبيري والجية وقريتي كيفون والقماطية في جبل لبنان. وأعيد بناء المساجد والحسينيات الشيعية.
وبعد سيطرة الدولة العثمانية على بلاد الشام، ارتكبت المجازر بحق الشيعة، ولا سيّما على يد السلطان سليم الأول الذي قتل ۴۴۰۰۰ شيعي في جبل عامل، و۴۰۰۰۰ في حلب، وكذلك في عهد أحمد الجزار الذي قتل عشرات الآلاف منهم.
وقد برز من علماء لبنان الشهيد الأول محمد بن مكي في القرن الرابع عشر وهو من بلدة جزين وقد تم إعدامه في دمشق على أيدي الحكم المملوكي، وكذلك الشهيد الثاني زين الدين بن علي في القرن السادس عشر، وهو من بلدة جباع قرب جزين.
أما الشيخ البهائي فهو فقيه من بعلبك فقد سافر إلى مدينة اصفهان لتحصيل العلوم، وقد حظي باحترام الشاه عباس الصفوي، ثمّ عيَّنه في منصب شيخ الإسلام في الدولة الصفوية.
كما برز الفقيه الشيخ محمد الحر العاملي من بلدة مشغرة في البقاع الغربي، وهو صاحب أهم موسوعة فقهية شيعية، بعنوان “وسائل الشيعة”.
وقد اشتهرت بلدات جباع وجزين ومشغرة والكرك وميس الجبل وشقرا وعيناثا بمدارسها الدينية الشيعية وبروز عدد من الفقهاء والمراجع الشيعة على مستوى العالم الإسلامي حيث لا تزال كتبهم تدرس إلى اليوم في الحوزات العلمية الشيعية.
لكن دور هذه المدارس تراجع بعد الإحتلال العثماني لسوريا ولبنان سنة ۱۵۱۶، وتفرّق العلماء والأدباء، فهاجر بعضهم إلى العراق وإيران والحجاز، فيما بقي البعض الآخر في المنطقة تحت ستار التقيّة.
وبعد الانتداب الفرنسي وتأسيس لبنان الكبير عام ۱۹۲۰، تغيّر وضع الشيعة في لبنان اجتماعياً وسياسياً وثقافياً ودينياً. وكان التغيّر الأبرز مع مجيء السيّد موسى الصدر إلى لبنان من إيران عام ۱۹۶۰ بطلب من اللبنانيين كإمام يرعى شؤون الطائفة بعد وفاة مرجعها الإمام السيّد عبد الحسين شرف الدين. فقد أنشأ الصدر المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في العام ۱۹۶۹ لتوحيد كلمة الطائفة في مواجهة الظلم الاجتماعي والتهميش السياسي والاقتصادي الذي تعرّضت له تاريخياً في لبنان. وقد ساهم الإمام الصدر في الصحوة الإسلامية في لبنان وتربية جيل متديّن وتأسيس عدد من المدارس والمبرات الخيرية والجمعيات والمستشفيات في بيروت والجنوب والبقاع.
كما تطورت الحوزات الدينية في لبنان مع تطور وضع الشيعة السياسي والاقتصادي والاجتماعي، خصوصاً مع نشأة حزب الله في العام ۱۹۸۲، كمقاومة للاحتلال الإسرائيلي للبنان.

حسین الکبابی نقلا عن وکالات