من الشاهنامة إلى الشيرازي ومولانا الرومي…كيف يتخاطب الإيرانيون؟

أجاد الإيرانيون عبر تاريخهم الطويل التعامل مع ما يختبرونه من مشكلات من خلال الشِعر، الذي يحفظون أبياته حتى أصبح لكل موقف ما يناسبه من الكلمات. تعالوا نكتشف معاً كيف يحضر الشعراء أمثال الرومي والشيرازي في لغة التخاطب البسيط بين الإيرانيين بوصفه مفتاح فهمم للحياة ومواجهة صعوباتها. موقع رهبویان قم الاخباری / ثقافه وفن : لكلِ […]

أجاد الإيرانيون عبر تاريخهم الطويل التعامل مع ما يختبرونه من مشكلات من خلال الشِعر، الذي يحفظون أبياته حتى أصبح لكل موقف ما يناسبه من الكلمات. تعالوا نكتشف معاً كيف يحضر الشعراء أمثال الرومي والشيرازي في لغة التخاطب البسيط بين الإيرانيين بوصفه مفتاح فهمم للحياة ومواجهة صعوباتها.

موقع رهبویان قم الاخباری / ثقافه وفن :

لكلِ شعب أسلوبه في فهم العالم والتمعّن في الحياة بكل ما تمنحه له وتحرمه منه. الإيرانيون أحد هذه الشعوب التي صاغت عبر تاريخها الطويل طريقها إلى التعامل مع الدنيا وأحوالها. ففي إيران كما هي الحال عند الشعوب العربية، يحتل الأدب عامة والشعر خاصة مكانته في لغة التخاطب اليومي بوصفه مفتاح فهمم للحياة.

لقد صنع الإيرانيون أسلوبهم ذاك حتى وصلت أبيات شعرائهم إلى العالمية. من أبرز هؤلاء سعدي الشيرازي، الذي اختارت عصبة الأمم (الأمم المتحدة) بعد الحرب العالمية الأولى أبياتاً من شعره شعاراً لها ووضعته على ناصية مبناها الرئيسي في نيويورك.
وهذه الأبيات تقول:
بنو آدمٍ جسد واحد
إلى عنصر واحدٍ عائد
إذا مسّ عضواً ألیم السقام
فسائر أعضائه لا تنام
إذا أنت للناس لم تألم
فـكیـف تسمیـت بالآدمـي


أشعار الشيرازي يتداولها الإيرانيون عند الشدائد من الأمور. كما أن هناك بيتاً شعرياً آخر له يتعلّمه الأطفال في أولى سنوات دراستهم، كما يستخدمه الإيرانيون بشكل شبه يومي لمساعدة الضعفاء أو تحذير الأقوياء من استعمال القوّة ضد الضعفاء:
لا تؤذي النملة وهي تحملُ حبّة قمح
لأن لها روح.. والروح عزيزة

لکن الشاعر الأكثر حضوراً بين الإيرانيين من مختلف طبقاتهم ومستوياتهم العلمية والثقافية هو حافظ الشيرازي الملقّب بلسان الغيب. لا يتلفظ الإيرانيون باسم الشيرازي قبل أن يسبقوه بكلمة “حضرت” التي تستخدم لذكر أسماء الأنبياء والأئمة، وهذا دليل على مكانته في وجدان الإيرانيين. لا يخلو بيت في إيران من كتابين، الأول هو المصحف الشريف والثاني هو ديوان حضرتِ حافظ!

يحضر شعر حافظ الشيرازي في حياة الإيرانيين في أكثر من موضع، ومنها على سبيل المثال ما قد يختبره أياً منهم من حزن شديد وصعاب فيذكره أهله وصحبه بهذا البيت لحضرت يقول فيه:
يوسف الضائع سيعود إلى كنعان، لا تحزن
بيت الأحزان سيصبح يوماً بستان الزهور، لا تحزن

وكذلك عندما تكون إرادة الإيراني حاضرة لإنجاز أمر ما لكن تواجهه عوائق كثيرة، يحضر هذا البيت من شعر حضرت حافظ:
قدماي کسیحة والمنزل بعيد
أيدينا قصيرة والتمر على النخيل


أو عندما يكون الشخص مُتردّداً في الأمور الإيجابية وبشكلٍ خاص في علاقته العاطفية، يأتي هذا البيت ليحضه على الحب، فيسمع حضرت حافظ يخاطب من بعيد:
في كل حين تعطي قلبك للحُبّ هو الوقت المناسب
في الخيرات لا حاجة أن تستمد بالإستخارة

الرومي .. جامع السماء والأرض

ومن بین الشعراء الإيرانيين الأكثر شُهرةً في العالم هو مولانا جلال الدين الرومي، لكن شعره يتداول كثيراً بين الطبقة المُثقّفة والخواص في المجتمع، والسبب أن أشعاره تحتوي على الكثير من المضامين الصوفية والفلسفية العميقة ما يصعب حضورها بشكل كبير في الحياة اليومية لعوام الإيرانيين.

لكن على الرغم من ذلك، تسرب بعض شعر مولانا إلى حياة الفقراء من الإيرانيين، فصارت كلماته جزءاً من المخزون اللغوي لهم وأيضاً في طاجيكستان وأفغانستان. لعل من أشهر الأبيات المُتداوَلة للرومي هو ذاك الذي يُستخدَم عندما يسأل أحد أحداً عن الحُبّ أو يلوم العشّاق، فيرد عليه العاشق بما قاله مولانا:
یسألني أحدهم ما هو الحب؟
قلت: عندما تكون مثلنا، ستعرف
أما في حال عدم تمكّن المرء من القيام بواجباته بسبب عدم امتلاكه لمقوّمات العمل أو عدم توافر الظروف يدعونه للتحلّي بالصبر بهذا البيت من شعر الرومي:

لا تبحث كثيراً عن المياه واحصل على العطش
لتطفو بعد ذلك على ربوتك وحضيضك المياه


يمكن القول إن الإيرانيين استطاعوا أن يضخوا الروح في شعراء بلدهم الأموات، عبر تحويل كلمات هؤلاء إلى أمثلة وحِكَم وكل بحسب ما يريدونه منه. فحافظ الشيرازي طريقهم إلى الحب الصوفي وسعدي الشيرازي سبيلهم إلى الحب البشري، أما مولانا جلال فهو معبرهم ليجمعوا بين السماء والأرض.

الشاهنامة … ملحمة الفرس

وعلاوة على من سبق ذكرهم، فإن الشعر الملحمي والوطني يحضر بقوة في حياة الإيرانيين. وهم عندما يريدون إحياء أمجادهم ولغتهم وعزّتهم يتذكرون أبي القاسم الفردوسي صاحب کتاب الشاهنامة أو “کتاب الملوك”. هذا الكتاب الذي أصبح بمثابة رديف لاسم إيران بين الأمم، يحتوي على الكثير من الأساطير والقصص الملحمية التي تضخّ الروح الوطنية في نفوس الإيرانيين.

هناك تقليد في إيران بين عامة الناس يُسمّى “الشاهنامة خواني” أي قراءة الشاهنامة وترافق هذه القراءة عروض ملحميّة في الساحات العامة وفي المقاهي الشعبية والمناسبات الوطنية. ويُسمّى مَن يقوم بهذه القراءة للآخرين “النقّال” بينما تسمى كل طقوس هذه القراءة بـ “سنت نقالي” أي تقليد نقل الأمجاد إلى الأجيال القادمة. ويحظى من يقوم بهذا النقل أي النقّال باحترام وإعجاب كبيرین من قِبَل عامة الإيرانيين.
وهنا بعض من أبيات الشاهنامة المُتداوَلة بين الإيرانيين:
النجل الذي ليس فيه من صفات أبيه
لا تعتبره نجلاً بل هو أجنبي وغريب

أن يكون النصل بيد الزنجي الثمل
أفضل من أن يكون العِلم بيد من يعبث به

إن لم تكن إيران لا أريد الوجود لجسمي
ولا أريد أن يكون أحد على هذه الأرض
كما أن بعض أسماء الشخصيات الأسطورية في الشاهنامة، يتخذها الكثير من الإيرانيين أسماءً لأبنائهم وهم على سبيل المثال: رستم، سهراب، نريمان، سودابه، كاوه، سياوش.

في المحصلة، ربما من المفيد أن نتذكر ما يقوله الفيلسوف الألماني مارتين هايدجر الذي يعتبر أن “الكلمة هي بيت الكون”، لندرك أكثر أن الشعوب التي سكنت هذا البيت هم العرب والإيرانيون.