هل تندلع الحرب بين روسيا وأوكرانيا فی ضل الاستفزاز الاوکرانی؟

الاستفزاز الأوكراني في محيط شبه جزيرة القرم مرشح بقوة لكي يتحول إلى نزاع عسكري واسع النطاق بين روسيا وأوكرانيا، والسؤال المطروح: لأي مدى يمكن أن تذهب أوكرانيا، وروسيا، والناتو؟ موقع رهبویان قم الاخباری / دولی :انتهكت ثلاث سفن تابعة للبحرية الأوكرانية المياه الإقليمية الروسية، الأحد ۲۵ نوفمبر الجاري، وتجاهلت مطالب السلطات الروسية، ولم ترسل طلبا […]

الاستفزاز الأوكراني في محيط شبه جزيرة القرم مرشح بقوة لكي يتحول إلى نزاع عسكري واسع النطاق بين روسيا وأوكرانيا، والسؤال المطروح: لأي مدى يمكن أن تذهب أوكرانيا، وروسيا، والناتو؟

موقع رهبویان قم الاخباری / دولی :انتهكت ثلاث سفن تابعة للبحرية الأوكرانية المياه الإقليمية الروسية، الأحد ۲۵ نوفمبر الجاري، وتجاهلت مطالب السلطات الروسية، ولم ترسل طلبا بالمرور عبر مضيق كيرتش للجانب الروسي، وبالتالي لم تدرج في جدول المرور، وتوجهت إلى جسر القرم، مارة أسفل القوس الرئيسي للجسر، حيث تمر جميع سفن النقل المتوجهة من بحر آزوف إلى البحر الأسود، ويكتظ الممر بالسفن، وينظم حركة المرور خلاله المرشدون الروس، وفقا لجداول صارمة. لذلك هدد اقتحام السفن الأوكرانية الملاحة الدولية، وجسر القرم، الذي يعد منشأ استراتيجيا روسيا.

من جانبه اتخذ جهاز الأمن الفيدرالي الروسي بالطبع إجراءاته بوقف هذه الاستفزازات الأوكرانية، وأطلقت النيران، وأصيب ۳ بحارة بجروح جراء إطلاق النار، قدم لهم الجانب الروسي الخدمات الطبية الضرورية، وتم احتجاز السفن الثلاث التي انتهكت المياه الإقليمية الروسية.

ضمّت السفن الأوكرانية زورقين وسفينة قاطرة، وبالطبع فلم تكن لدى تلك السفن أي قدرات عسكرية ملموسة، ولم يكن هناك أي فرصة لديهم في الاشتباك، ما يدعو للتساؤل عن الهدف من تلك العملية الانتحارية؟

إن الوضع في أوكرانيا سيء للغاية، فالانقلاب الذي شارك في تدبيره الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي ضد الرئيس الشرعي، فيكتور يانوكوفيتش، عام ۲۰۱۴ لم ينجح في تغيير حياة المواطنين إلى الأفضل، بل على العكس تماما، تحولت حياة المواطنين إلى ما هو أسوأ بمراحل. وبينما كان الناتج المحلي الإجمالي لأوكرانيا قبل الانقلاب قد حقق ۱۸۳ مليار دولار أمريكي، أصبح الناتج المحلي الإجمالي ۱۱۲ مليار دولار في عام ۲۰۱۷٫ وبينما كانت، ولا زالت، روسيا المستثمر الأكبر على الإطلاق في الاقتصاد الأوكراني، توقفت عن مساعدة أوكرانيا، بعدما رفضت الأخيرة سداد الديون المتراكمة عليها لروسيا، وأصبحت أوكرانيا تعتمد اليوم بشكل كلي على مساعدات الاتحاد الأوروبي وقروض صندوق النقد الدولي، الذي يطالب السلطة الأوكرانية مقابل تلك القروض بمحاربة الفساد ورفع الدعم عن المواطنين، ما سيرفع سعر الغاز على البسطاء في أوكرانيا، وعلى الرغم من فشل الرئيس الأوكراني، بيوتر بوروشينكو، في محاربة الفساد، إلا أن السلطة الأوكرانية تمكنت بنجاح من رفع سعر الغاز على المواطنين الأوكرانيين، فتحول الحلم الأوروبي إلى كابوس.

لذلك كان من المنطقي أن تنخفض شعبية الرئيس الأوكراني، بيوتر بوروشينكو، لتصل إلى أدنى مستوياتها ۸٫۹%، وليشغل المرتبة الثالثة، بعد أحد مقدمي البرامج الكوميدية في التلفزيون، وأحد مغني الروك. علاوة على ذلك فقد حقق بوروشينكو رقما قياسيا في استطلاعات الرأي، حول عدد المواطنين الذين لن يصوتوا له تحت أي ظرف من الظروف وهو ۵۰%، بينما صرح ۷۵% من المواطنين الأوكرانيين أن الدولة لا تسير في الطريق السليم.

وأصبح من الواضح أن الانتخابات التي قد أصبحت على الأبواب، ۳۱ مارس ۲۰۱۹، سوف تجلب لنظام بوروشينكو فشلا ذريعا، ليصبح الحل الوحيد أمامه، هو إلغاء هذه الانتخابات، وهو الهدف الأول من الاستفزازات الأوكرانية.

لقد سئم العالم من أوكرانيا، التي يستخدمها الغرب فقط كوقود حرب، فهي مجرد قفاز لإلحاق الضرر بروسيا دون أن تتسخ يد الغرب، فالقوات الأوكرانية تتابع قصفها للمناطق غير التابعة لسلطة بوروشينكو، دونيتسك ولوغانسك يوميا، بينما لا تظهر هذه الحرب المستمرة في أي من عناوين الأنباء، ولا تحرك الغرب لدعم نظام بوروشينكو.

تأمل كييف، من خلال تفجيرها صداما مع روسيا، في الحصول على دعم اقتصادي من الغرب، في اللحظة التي توقفت المدفوعات الروسية، لأوكرانيا مقابل عبور الغاز عبر أوكرانيا، عقب إنشاء خط أنابيب السيل التركي والشمالي – ۲، وذلك هو الهدف الثاني من الاستفزازات الأوكرانية.

أما الهدف الثالث لأوكرانيا، فهو أن الوضع في دونيتسك ولوغانسك قد خرج عن سيطرة كييف منذ فترة من الوقت، ووصل إلى طريق مسدود، حيث ترفض كييف تنفيذ بنود اتفاقية مينسك، وبدء حوار مع الانفصاليين، بينما يبقي نظام بوروشينكو مجموعة النازيين الجدد، وغيرهم من التنظيمات الأوكرانية القومية المتطرفة على أهبة الاستعداد، وهم من يقفون ضد أي موائمات مع الناطقين باللغة الروسية في شرق أوكرانيا. ومع رفض طريق الحل السياسي، فإن الطريق الوحيد المتبقي هو طريق الحرب. وروسيا لن تسمح بتطهير عرقي للسكان الروس في أوكرانيا، حيث يبدو الطريق الوحيد لنجاح أوكرانيا في ذلك، إذا نجحت في توريط الناتو في هذا النزاع العسكري.

إن أوكرانيا تستفز روسيا لوقت طويل، بغرض الحصور على رد فعل قاس من جانب روسيا، وبخاصة حينما احتجزت بعض سفن الصيد المسجلة في شبه جزيرة القرم، أثناء نقلها بعض السلع إلى دونيتسك. وبالطبع يتجاهل الغرب أحداثا كهذه، وقد التزمت روسيا تجاه تلك الأحداث بأقصى درجات ضبط النفس، واكتفت بالتفتيش الصارم لجميع السفن العابرة خلال مضيق كيرتش في اتجاه أوكرانيا، عبر مياهها الإقليمية، الأمر الذي لفت انتباه الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، اللذان طالبا روسيا بوقف تفتيش السفن الأوكرانية.

لقد بادر نظام بوروشينكو، مدعوما من الغرب، بالإعداد للذهاب إلى الأمم المتحدة بشان ما أسماه عرقلة روسيا لحركة الملاحة من الموانئ الأوكرانية في بحر آزوف، لكن كييف، فيما يبدو، لم تحصل على دعم ملحوظ من الغرب لهذه المبادرة، فقررت اللجوء إلى الاستفزاز العسكري، لتضع روسيا في موقف “المعتدي”، ولتضمن بذلك دعم الغرب.

وكنتيجة لهذا فإن بوروشينكو قد دعا الاتحاد الأوروبي، بكل سرور، لفرض عقوبات إضافية على روسيا بسبب ما أسماه “الاعتداء الروسي”، بل وقام بفرض الأحكام العرفية في البلاد، والتي يتعين على البرلمان الأوكراني اليوم الموافقة عليه. ووفقا للقوانين الأوكرانية، فإن سريان الأحكام العرفية في البلاد يمثل حظرا على حرية الصحافة، وإمكانية منع الأحزاب السياسية، والأهم من ذلك كله – إلغاء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. لذلك فما يبدو الآن هو أن الهدف الأول من الاستفزازات الأوكرانية هو الهدف الرئيسي، وأضاف بوروشينكو أن الأحكام العرفية لا تعني حشد القوات العسكرية، بمعنى أنه شخصيا لا يؤمن بـ”العدوان الروسي” وبحرب واسعة النطاق.

أعتقد أن الهدف الثاني سوف يتحقق جزئيا، فالولايات المتحدة الأمريكية قد ترفع من درجة دعمها العسكري فحسب لأوكرانيا، دون الدعم الاقتصادي، فوتيرة انهيار الاقتصاد الأوكراني سوف تتسارع على خلفية خطر اندلاع الحرب.

أما الهدف الثالث، فبالتزامن مع الاحتجاجات الدبلوماسية، والهجوم على سفارة روسيا في كييف، فإن مجموعة السفن الصدئة التي تسمى اصطلاحا بالقوات البحرية الأوكرانية قد خرجت إلى البحر، للتأكيد على الطبيعة الاستفزازية للعملية الأوكرانية. بالطبع فإن روسيا قادرة على إغراق الأسطول الأوكراني بأكمله في ظرف ساعة على الأكثر، لكن الأسطول الأوكراني قد تقتصر مهمته على الهجوم، لا من أجل الانتصار، وإنما من أجل دفع روسيا إلى الرد العسكري، حتى ولو كلفه ذلك وجوده، حتى يتدخل الناتو فيما بعد في النزاع العسكري.

لا يزال الرد الغربي على الاستفزازات الأوكرانية حذرا، حيث صمتت واشنطن، بينما طالب الناتو الأطراف بضبط النفس، ويتوقف تطور المشهد على ما إذا كانت تلك الاستفزازات بمبادرة شخصية من بوروشينكو عشية الانتخابات الأوكرانية، أم أنها خطوة تأتي بمباركة من واشنطن ولندن وبرلين. سنعرف الإجابة على هذه الأسئلة قريبا.

تجمیع: حسین الکبابی /رئیس التحریر